قرأتُ مؤخّرًا مقالاً حول الدور النهضويّ للمسيحيين العرب في بلوَرة الهويّة الثقافيّة والأدبيّة للأمّة العربيّة، وها أنا أضعه بين أيديكم للقراءة، المُتعة والنقاش:
المسيحيون العرب.. الحضور التاريخي وتجديد الدور
حسين العودات : (كاتب سياسي وباحث من سورية) - حوار العرب -/العدد 7/ يونيو (حزيران) 2005
عرف العرب الديانة المسيحية منذ سنواتها الأولى وآمن بعضهم بها، ونهلوا من ثقافتها الروحية وشاركوا في مجمعاتها وحراكها ومناقشاتها اللاهوتية وقادوا تيارات انشقاقية على التيارات المسيحية الأقرب للسلطة البيزنطية هناك مقولة لدى بعض من الرأي العام العربي مبنية على الاعتقاد أن المسيحية دخيلة على العرب والثقافة العربية، وأن المسيحيين من أصول غير عربية ومن شعوب قديمة كانت موجودة في بلاد الشام ومصر قبل مجيء الإسلام (سريان، كلدان، أقباط وغيرهم) أو شعوب أوروبية قدمت مع الإمبراطوريات الرومانية والبيزنطية ثم الأوروبية واقتصرت عليهم. ويرى آخرون أن العرب "دخلوا" بلاد الشام قادمين من الجزيرة العربية بعد الإسلام ولم يكونوا من سكان هذه البلاد قبل ذلك، وبالتالي، فإن المسيحية ليست من ثقافتهم ولا من ديانتهم، وهكذا دخل في عمق قناعات شرائح كبيرة، وبخاصة الشعبية منها، أن العرب غرباء عن المسيحية وأن المسيحيين (أو معظمهم) غرباء عن العرب. ومن المؤكد أن هذه المقولات بدأت تتكرس في قناعات الناس منذ حروب الفرنجة (الحروب الصليبية) وفي ضوء مجرياتها ومنعكساتها ونتائجها، وتكرّست، بخاصة، خلال المرحلة المملوكية ثم العثمانية، وبلغت أوجها في القرن التاسع عشر بعد التدخل الأوروبي في شؤون الدولة العثمانية وقبول سياسة الحماية والامتيازات التي أعطيت للمسيحيين العرب من قبل الأوروبيين، وأدت الى اتهامهم بالعمالة للغرب الأوروبي وفي ما بعد للاستعمار الأوروبي. والملاحظ أن مثل هذه المقولات لم تكن موجودة قبل ذلك، أي منذ ظهور الإسلام في مطلع القرن السابع حتى نهاية القرن الحادي عشر، قبيل الغزو الفرنجي، لأن الناس خلال تلك الفترة كانوا يعرفون حقيقة انتشار المسيحية بين القبائل العربية في بلاد الشام والجزيرة، وهي قبائل عربية، بل من أهم القبائل العربية، ولا يشكون بأن المسيحية من ديانات العرب وأن من أتباعها عرباً أقحاحاً.